الخميس، أبريل 14، 2011

حديث المظاهر ... الجزء الأول


في ليلة مظلمة ، خرج خالد لأول مرة وحده إلى حديقة منزلهم يتجول بين زروعها ، وإذا به يفر فجأة إلى أبيه في المنزل فزعا
ما بك يا خالد ؟؟؟ .... قال الأب
خالد فزعا : هناك يا أبي ، هناك
الأب : اهدأ يا خالد وأخبرني ما الذي هناك يا خالد ؟؟
خالد : شبح في الحديقة يا أبي
الأب مبتسما : شبح يا خالد ؟
خالد : نعم شبح يا أبي ، طويل وله رأس كبير ينظر باتجاهي
الأب : حسنا يا بني ، دعنا نذهب لترني إياه
خالد : لا يا أبي ، لا أقدر ، إنه مخيف
الأب : هيا يا خالد لا تخف ، أنا معك يا بني
أمسك الأب بيد خالد وذهبا سويا ليروا ذلك الشبح المخيف - حسب كلام خالد ،، توقف خالد فجأة ثم رجع خطوتين للخلف واختبأ في ساق أبيه ناظرا بنصف عينيه إلى ذلك الشئ المريع ....
الأب : أين هو يا خالد ؟؟
خالد يشير إلى ........
الشجرة ؟؟؟ قال الأب : أهذا هو الشبح يا خالد ؟؟؟
خالد : نعم يا أبي هو
ضحك الأب ضحكة مدوية ثم نظر إلى خالد وحمله بسرعة على كتفه وقال : إذا هيا بنا نذهب إلى الشبح ، ثم انطلق مسرعا باتجاه الشجرة الشبح ....
وسرعان ما وصل الأب للشجرة ، ثم اقترب بخالد منها ، وقال له : انظر يا خالد إلى الشبح جيدا ، أمسكه يا خالد هيا ، هيا يا خالد لا تخف
خالد يمد يديه بتردد إلى الشجرة ، ثم يدفعه أبوه إليها بقوة : أرأيت يا خالد ، إنها شجرة ، مجرد شجرة

خالد : ولكن لماذا يا أبي كانت مخيفة مثل الشبح
الأب : لأنك رأيتها في الظلام يا خالد ، ثم لم تحاول الاقتراب منها
خالد : ولكن يا أبي كيف اقترب منها وأنا خائف منها
الأب : أنت خفت منها نعم ولكنها لم تكن مخيفة في حد ذاتها ، أتعرف ماذا كان عليك أن تفعل يا خالد ؟؟ ،، هز خالد رأسه مستفهما
الأب مكملا حديثه : كان عليك أن تحاول أكثر ، سواءا أن تقترب أو حتى تنتظر طلوع النهار فيعينك على الرؤية الواضحة ، أو تستعين بأحد يرى معك أو أو أو، المهم ألا أن تستسلم لأول انطباع يأتي إليك طالما أن الأمر يستحق ، ولعلمك يا خالد ، ليس دائما يستحق الأمر أن تحاول فيه لكي لا تظلم الشئ الذي تحكم عليه فقط ، ولكن لأنه أحيانا - إن لم تحاول - فستكون أنت الخاسر الأكبر من فقدانك علاقتك بهذا الشئ ... أو هذا الإنسان .
،، فمثلا هنا ، لم تخسر الشجرة شيئا عندما نعتها بالشبح ، (لأنها ظلت شجرة وسيأتي غيرك يحاول رؤيتها في النهار ويقدر قيمتها )، ولكن كدت أن تخسر أنت ، كدت أن تخسر علاقتك بمخلوق جميل من مخلوقات المولى ، كدت أن تخسر ظلها ، جمالها ، ثمارها ..... والأهم من ذلك أنك كدت أن تخسر نفسك ، وطبعا أنا هنا لا أقصد الشجرة فحسب ، بل أرمي على علاقتك بالناس ، فما المواقف التي تمر بنا إلا دروس مصغرة لما يمكن أن نتعلمه من هذه الحياة
خالد : حسنا يا أبي ولكن الأمر أبسط من ذلك ... إنها مجرد شجرة .
الأب : انظر يا خالد ، في حياتنا نقابل العديد من الأشخاص ، زمالة ، صداقة ، زواج ، أو حتى معاملات عابرة ، وما الحياة إلا نتاج تصرفات وأخلاقيات أفراد تعيش مع بعضها على كوكب واحد ، وكما قالوا معرفة الناس كنوز ، والكنز الحقيقي يا بني لا تستطيع كل الناس رؤيته ، بل يراه فقط من يبحث عنه بصدق ، فأنت إن أغلقت الباب على الناس لمجرد أنك لم تحاول أن تراهم عن كثب أو تعطهم الفرصة ، ضيقت النطاق عليك في أشخاص معينين ممن اخترتهم معتمدا على رؤيتك فيهم ، وبالطبع وفقا لسنة الكون ، سيخذلك جزء منهم تدريجيا كلما تعمقت علاقتك معهم ، وفجأة ستجد نفسك محاطا بقلة قليلة جدا ممن تثق فيهم - ووقتها لن تستطيع أن تثق فيهم بما يكفيك لتكمل حياتك مطمئنا، في حين أنك إن اجتهدت في عدم استباق الأحكام ستوسع دائرتك وحينها لا تتفاجأ عندما تجد أن المخلص لم يكن من اخترت ، بل كان ممكن أعطيته فرصة لمجرد أنك تحاول أن تفعل الصواب وترضي ضميرك ، فالضربة الحقيقية يا بني لا تأتي من العدو قدر ما تأتي من الصديق ، وإن تعشمت يوما بشخص لشخصه لا تستبعد الخذلان منه ، ولكنك إن اخترت الله فيه ، فاعلم أنك غنمت الدنيا والآخرة
خالد ينظر إلى أبيه متجهما
الأب : أعلم يا خالد أنك لا تفهم كل كلامي الآن ، ولكنه واجبي أن أخبرك به عسى أن تتذكره يوما فيخبرك بما يجب أن تفعل
أمضى خالد وأبوه يومهما واستيقظا صبيحة اليوم التالي ، ثم ذهبا ليتنزها في الحديقة قليلا ، وأثناء تجوالهما قابلا الشجرة الشبح فتوقفا عندها قليلا ، ونظر كلاهما إليها ، وملأت عيني خالد نظرة غريبة لم تخفى على والده ، وكأنه يراها للمرة الأولى في حياته ، قطع والده الصمت قائلا : تستغرب أليس كذلك ،
خالد : أمتأكد يا أبي أن هذه الشجرة هي نفسها التي كنا نقف أمامها أمس
الأب :بكل تأكيد ،ولهذا قلت أن الخاسر الأكبر هو من يتسرع في الحكم ، فما تراه الآن من جمال فتان لم يكن سوى شبح البارحة ،
يا بني إن قيمة البشر أعمق وأجل كثيرا من أن تختصر في قسمات وجه أو نبرات صوت ، ونظرتك للناس - كبشري- أقصر كثيرا من أن تقيّم أعظم خلق الله من مجرد كلمات تسمعها منه أو انطباعات مغلوطة تأخذها عنه
، واعلم أنك كما تدين تدان ، فلا تستخف يوما ببشر ...


يا بني ، بعض الناس ككنوز الأرض ، لن تجدهم إلا في جوف ماء أو في باطن أرض ، وفي كل الحالات يجب أن تبذل من الجهد ما يكفي لتصل إليهم ، ولهذا كانوا كنوز ....


يُتبع ... >

الجمعة، أبريل 01، 2011

صاحب الوردة

يحكي أن .... رجلا سار وحيدا في دربه


وكان يحمل في جعبته .... ورودا - لم تكن كثيرة - ولكن كانت كل ما ملك ، كلما مر على قوم أهدى أحدهم إياها ، ورغم أن ردود أفعالهم قد تفاوتت ولكنهم قد اتفقوا -دون أن يدروا- أن يدسوا أشواك وروده في قلبه -ولو بعد حين ، ومرة من بعد مرة صارت تلك الورود حملا ثقيلا عليه حتى صار يخشى أن يهديها أحدا ، ولكن في ذات الوقت كان يحمل في صدره قلبا حمل من الود ما يكفي قرية بأكملها ،

وكلما هم أن يتوب عن جر الويلات على نفسه من حيث لا يدري ولا يشعر ، قابلته عيون حزينة ، فقال له عقله : هلم بنا يا صاح ولا تلتفت ، كفاك ما كان من القوم ، لم يفهموا يوما ورودك ، فظنوها سكينا تقتلهم به ، فهاجموك وحاصروك ثم منهم أخرجوك فماذا دهاك ؟؟؟
اصمت أيها العقل ، وماذا يساوي ابتسامة أرسمها على شفتي حزين ، ماذا يساوي أن تجبر كسرا أو تداوي جرحا ، قاطعه عقله : يساوي جرحك وكرامتك ، يساوي وقتك وسعادتك ، فهامسه قلبه : يا عقلي أنا لا أتحداك ، قد يحالفك الصواب ، فأنت الصوت المضمون ، بعيدا عن الجنون،، ولكن ما عساي أن أفعل ؟؟ صدقني ليس بملكي أن أرى مكلوم ولا أتألم ، مجروح ولا أتكلم ، وقد كنت مكانه بالأمس أتمنى خيال أحدهم لأفيض إليه بما بي ولم أجد ، وطالما حييت سأحاول أن أكون ذلك الخيال لمن احتاجه - ما استطعت ...

لم يعرف ماذا يفعل ، فهذه وجوه بريئة قد أطلت من جديد ، لم يرد أن يآخذهم بذنب غيرهم ، حدث نفسه قائلا : لا بأس ما زال لدي بعض الزهيرات ، وما قيمتها إن لم يشاركني فيها أحدهم ، اقترب منه ممدا بيده وقال : هذه وردة لك ، وجهك يحمل الخير ، وما أظنك كاذبا ، وللحظات ذاق سعادة العطاء من جديد ، ولهنيهة ظن أنه أخيرا قد أصاب اختيار حامل وردته الجديد ، كم أحب متعة العطاء وكم كره اضطراره منعها عمن حوله ، ربما لم يكن يجيد فن إهداء الزهور ، ربما لم يكن يستطع أن ينظر في عين من يهديه ، ولكن حقا لا أعرف لمَ لم يكلف أحدهم نفسه بالبحث في تلك العيون الحائرة ؟؟ ، وهو إن فعل لكان وجد في عمقها أكثر مما أحب وتمنى ، أكثر مما حتى حلم به ....

ولم يعد يعرف صاحب الوردة من المخطئ ، هل كان ذنبه أن عينيه لم تجيد التبجح في عين ناظرها يوما ما ، أم كان خطأ من انشغل بالوردة عن صاحب الوردة ، حتى صار يعد عيوبها عيبا عيب ، ونسي أنها مهما كانت عيوبها .... تظل وردة !!!